الطبيب الذي سحب الرصاص من أجساد الغزيين… بطلاً لفيلم «المهمة»
يوليو 6, 2025جيم شيريدان… إيرلندي قلبًا وقالبًا
يوليو 6, 2025لا تستطيع السينما أن تغيّر الواقع، لكنها قادرة على جعله أقلّ توحّشاً وأكثر لُطفاً. سنةً تلو أخرى، يحرص «مهرجان عمّان السينمائي الدولي» على فتح طاقة حلمٍ صغيرة وسط منطقة تشتعل سماؤها بالصواريخ وسائر أدوات القتل.
في دورته السادسة، التي افتُتحت في «مركز الحسين الثقافي» في العاصمة الأردنية، رفع المهرجان شعار «عالم خارج النص». ففي كوكبٍ خرج عن طَوره، لا بُدّ أن تُخلق مساحة تُروى من خلالها حكايات الناس العاديين الذين يدفعون ثمن هذا الجنون.
للسنة الثانية على التوالي، وتقديراً لمعاناة أهل غزة، تراجعت مظاهر البهجة في حفل الافتتاح مقتصرةً على عرضٍ راقص مميّز من التراث الشركسي لـ«نادي الجيل الجديد» لاقى تفاعلاً كبيراً من الحضور. يقدّم المهرجان نفسه على أنه متجذّر في أرضه، يضيء على قصصها، لكنه لا يمانع في المقابل أن يفرد جناحَيه لملاقاة التجارب السينمائية العالمية التي تتكلّم لغة الإنسانية.
انطلاقاً من تلك القناعة، تحدّثت الأميرة ريم علي في كلمتها الافتتاحية عن ضرورة «كسر الصمت وبعث التعاطف في عالمٍ يزداد قسوة». حيّت مؤسسة المهرجان ورئيسته صنّاع الأفلام الذين يقدّمون قصصاً إنسانية لعالمٍ خرجَ عن النص والإحساس.
«نضج المهرجان ونضجَ معه وعي الناس وجهوزيّتهم لمشاهدة نصوص مغايرة عمّا اعتادوا في الأفلام التجارية»، هذه إحدى الثمار التي جناها الحدث السينمائي الأردني وفق مديرة البرمجة فيه المخرجة الفلسطينية عريب زعيتر التي تحدّثت لـ«الشرق الأوسط». ولأن المهرجان يحمل جرح غزة، فهو يقدّم 6 وثائقيات من قلب القطاع المهشّم. «هي أفلام صُنعت بالكامل في غزة لتقول للعالم: نحن لسنا أرقاماً ولن تنزعوا إنسانيتنا عنا»، وفق تعبير ريم علي.
المخرج الفلسطيني رشيد مشهرواي، المشرف على مشروع «من المسافة صفر» والمتواصل للسنة الثانية على التوالي أوضح لـ«الشرق الأوسط» أنّ الأفلام التي عُرضت السنة الماضية في إطار المهرجان جالت العالم وأثّرت جداً بمشاهديها؛ لذلك كان لا بدّ من تكرار التجربة. «من المسافة صفر وأقرب» هو عصارة نضال مخرجين موجودين حالياً في غزة تحت القصف ووسط الجوع والدمار.
للسينما الأردنية مساحتها كذلك وعلى جدول العروض 11 فيلماً أردنياً، تتنوّع ما بين أعمال روائية ووثائقية وقصيرة «في دليل على النموّ المتصاعد في صناعة السينما لدينا»، على حدّ قول رئيسة المهرجان.
ومن بين النجوم الصاعدين لهذه السينما المحلّية، المخرج أمجد الرشيد الذي شارك العام الماضي من خلال فيلمه «انشالله ولد» وانضمّ هذه السنة عضواً في لجنة تحكيم الأفلام القصيرة. «مهمّة صعبة ومثيرة للحماسة أن ألعب دوراً في اختيار أفضل فيلم قصير»، يقول رشيد لـ«الشرق الأوسط». وهو يرى في المهرجان «نقطة ضوء وسط البشاعة ندافع عنها جميعاً كي لا تموت إنسانيتنا وسط ما يحدث».
تنوّع ضيوف الافتتاح ما بين مخرجين عرب وعالميين على رأسهم ضيف الشرف المخرج الآيرلندي جيم شيريدان، إضافةً إلى ممثلين ونقّاد ومجموعة كبيرة من صنّاع السينما. وبحضور رئيس الهيئة الملكية الأردنية للأفلام الأمير علي بن الحسين، جرى تقديم أعضاء لجان التحكيم التي ستُفتي بأفضل الأفلام عن فئات الروائي الطويل، والوثائقي، والفيلم القصير، والأفلام الأجنبية.
تحلّ الممثلة اللبنانية ديامان أبو عبّود ضيفةً للمرة الأولى على المهرجان ولجانه التحكيمية، وهي شاركت «الشرق الأوسط» فرحتها بالعودة إلى عمّان بعد سنوات طويلة. ولفتت إلى أنّ أكثر ما يلمسها في الأفلام عموماً هي «القصص التي تشبه نفسها والأرض الطالعة منها. فقط من خلال الصدق يصل الفيلم إلى قلوب الناس».
أما الممثل والمخرج والكاتب اللبناني جورج خبّاز، فضيفٌ دائم على مهرجان عمّان السينمائي وعضو في لجانه التحكيمية. يرى في هذا الحدث دليلاً على أنّ «إرادة الحياة في منطقتنا فوق كل اعتبار». أما أكثر ما يجذبه في المهرجان فهي الألفة السائدة فيه التي تُشعر كل ضيف وكأنه من أهل البيت، إضافةً إلى أنه يُصيب دائماً في اختيار الضيوف والأفلام.
بعد التصفيق للجان التحكيم وضيوف الشرف والعروض الراقصة، آن موعد الصمت الدامع الذي فرضه فيلم الافتتاح. «ما بعد» فيلمٌ قصير للمخرجة الفلسطينية مها حاج لم يقع الاختيار عليه عبثاً.
ربما تترك بدايته انطباعاً بأننا أخيراً أمام مشهدٍ جميل من قلب فلسطين، حيث الطبيعة الخلّابة وقصة زوجَين متقدمَين في السن ينتظران عودة أولادهما الخمسة إلى البيت، ويلوّنان الصمت بالحديث عن كلٍ منهم. غير أنّ المقلب الآخر للحكاية أعمق وأقسى.
وكأنّ «لبنى» (عرين عمري) و«سليمان» (محمد بكري) اختصرا بملامحهما وقصتهما مأساة غزة كاملةً، رغم أن أحداث الفيلم تدور قبل الحرب الإسرائيلية الأخيرة على القطاع. لكنّ الإجرام يعيد نفسه؛ ولذلك اقتضى تصويب الصورة والخروج عن النصوص المفروضة من خلال أفلام كتلك التي يقدّمها مهرجان عمّان السينمائي لجمهوره.