فلسطينيون يوثّقون الإبادة «من المسافة صفر»
أغسطس 8, 2024دعم 3 أفلام مصرية بـ «عمان السينمائى»
أغسطس 8, 2024شارك وثائقيان لبنانيان في «مهرجان عمّان السينمائي الدولي – أوّل فيلم» حملا قصصاً شخصية وحميمة أو انطلقاً من الشخصي إلى العام. «واصلة» لرين رزوق يضيء على علاقة متضعضعة مع الأماكن، والأحاسيس، والاعترافات. إنّه نوع من الأفلام الوجودية، ذو قصّة صوِّرت برقة رغم قسوتها. فيلم عن شخصيتين تبحثان عن مكانهما، وعن الذين يتوقون إلى الانتماء. «واصلة»، عبارة عن حديث مطول، تخبر فيه نيكول صديقتها وابنة خالتها المخرجة رين رزوق، قصتها وتقرر البوح من دون حواجز أو حدود، حول إدمانها على المخدرات منذ أن كانت في الثالثة عشرة من عمرها، ورحلة إعادة التأهيل في جمعية «إم النور»، وعلاقتها بأهلها، وتأثير الدين والمجتمع والأحزاب والحرب الأهلية اللبنانية على جيل عايشها وجيل ولد في آخرها أو بعدها. من جهتها، نرى علاقة رين بفيلمها، وعلاقتها بنيكول، وعلاقة الفنان بفنّه. «واصلة» الذي يتّبع رحلة رين مع نيكول لمدة عشر سنوات، بدءاً من عام 2011، صريح ومباشر وخام وحميمي، متنكّر في هيئة قصة قاسية، لكنها تحمل في داخلها الكثير من الحنان الذي نراه في عيني نيكول أو كاميرا رين التي تستجوبها. كاميرا تربت على كتف ابنة خالتها، وهي الكاميرا نفسها التي تصوّر رين في حياتها الخاصة التي تغيرت خلال كل هذه السنوات. في الفيلم، نرى تأثير السنوات على رين ونيكول، ونسمع كلمات نيكول وأسئلة رين، ونشاهد تغيّرهما عبر السنين، وحكمهما على الأشياء والأشخاص، ورؤيتهما لبيروت، لعين الرمّانة، لحزب «القوات اللبنانية»، للمخدرات، للجنس، وطبعاً علاقتهما بعائلتهما.
«واصلة» لرين رزوق
تؤكد رين أنّ بعض الأفلام الوثائقية لا يحتاج الكثير، بل فقط إلى أشخاص مثيرين للاهتمام ليتحدثوا أمام الكاميرا، وقصة تستحقّ أن تروى. كاميرا رين جريئة، واضحة لا تخاف أن تكون فارغة إلا من نيكول، لا تحتاج رين إلى هندمة صورتها كثيراً، فكل شيء يجب أن يبدو كما هو، بلا تجميل، والواقع كفيل بأن ينقل ما لا يقال. تعرف رين كيف يكون الاستجواب، لا تضغط كثيراً على نيكول، والأخيرة تعرف بدورها كيف تراوغ، وتحاول في مناسبات عدة الاختباء من رين ومنّا ومن الكاميرا. يضعنا الفيلم وسط مدينة ومكان متغيّر باستمرار، وشخصيتين متغيرتين، ويسأل عنهما ومعهما، بينما تحاول الاثنتان فهم نفسيهما من خلال الكاميرا. غريبة هي علاقة المخرجة بما تصوّره من جهة، وعلاقتها بنيكول التي تحتاج إلى هذه الكاميرا للبوح، فنجد أنفسنا مؤتمنين على حكاية أشخاص لا نعرفهم.
«ق» لجود شهاب
Unmute
تركيا – تكلفة زراعة الأسنان بالفم الكامل قد تفاجئك تمامًازراعة الاسنان في تركيا
ساعة ونصف تقريباً قضيناها مع رين ونيكول. ورغم غياب السرد التقليدي، نستغرق سريعاً في أنماط وتفاصيل حيث يظهر المعنى تدريجياً. تحكي نيكول كل ما تريد قوله بالكلمات، بينما تعبر رين من خلال صور وأصوات وإيماءات، أو من خلال مشاهدها وعلاقتها بالبحر والماء. خلقت رين مساحة من التفسير والنمو للقصة بعيداً عن حدود وجه نيكول. عرفت كيف تعرض ما تراه شخصيتها وما تفكر فيه وما تراه هي وكاميرتها. هناك صدق في الفيلم، كلّف المخرجة توازنه في مكان ما، إذ تخلخل في بعض الأماكن، وأصبح عبثياً، وفقد تقريباً طريقه، وبات يدور حول نفسه وحول الشخصيتين. غرق في بعض الأحيان في «الأنا» ــ أنا المخرجة وأنا نيكول ـــ كما تغرق رين في المياه في بعض المشاهد لتولد من جديد. بعد الغرق والأنا، عادت رين لتحقق التوازن المطلوب، وتنهي فيلمها بالطريقة المناسبة.
طريقة المونتاج واضحة تماماً. هي أقرب إلى طريقة اصطدام قطع مختلفة ببعضها بقوة. سنوات وكلمات ووجوه تتغيّر مع الزمن، كلها تجد مكانها في مشاهد الفيلم من خلال الاصطدام، ما يحوّل شوائب كل لقطة أو كلمة إلى فكرة بحد ذاتها. «واصلة» فيلم ميلانكولي، يواصل تقديم جرعات من القسوة والحنين والحب والخيانة والاستغلال على مدى التسلسل الزمني الذي لا تحده شاشة ولا زمان ولا مكان.
جود شهاب: وقفة مع القبيسيات
من جهتها، حملت جود شهاب كاميراتها لتستجوب أقرب الناس إليها. قرّرت البحث عن أجوبة تقلقها، وفي الوقت نفسه حماية عائلتها، أو لنكن أكثر دقة، مساعدتها لرؤية حياتها وما مرّت أو تمرّ به بطريقة مختلفة من خلال السينما. «ق» للمخرجة اللبنانية الأميركية، ليس فيلماً وثائقياً فحسب، بل هو علاج أو خلاص شخصي، سيرة ذاتية، وتعبير عن حاجة شهاب إلى مشاركة قصة عائلتها معنا. قصة عشق من نوع مختلف، حكاية متعددة الأجيال عن البحث الأبدي عن الدين والله والحب والعائلة والتفاني. «ق»، يأخذ عنوانه من الحرف الأول من الـ«قبيسيات»، الجماعية الدعوية النسائية الإسلامية، وهن مفتاح قصة جود ووالدتها هبة وجدّتها. يكشف الفيلم في بدايته عن الولاء الذي أظهرته جدة جود لهذه الجماعة، ثم والدتها من بعدها، ثم تركها لها وتأثير كل هذا على زواجها وأولادها وحياتها الخاصة.
من خلال الوثائقي، تريد جود من والدتها أن تعيد النظر في الماضي المؤلم، وتسلّط الضوء على ولائها المتحمّس لهذا التنظيم الديني الذي عمل ويعمل في السر منذ عقود. نرى والدة جود وهي تدرّس القرآن، تقرأ الشعر الذي كتبته منذ سنوات لآنستها في الجماعة، تتحدث أمام الكاميرا عن بعض الأشياء الخاصة، وعن رؤيتها للدين وللجماعة وسبب تركها لها أو طردها. كما نرى حياة هبة وهي شابة، وكيف كانت ممثلة مسرحية تغني قبل انضمامها إلى الجماعة وتغيّر حياتها إلى الأبد. الفيلم عبارة عن صورة منظّمة لثلاثة أجيال من النساء، وكيفية تأثير هذه الجماعة عليها. لا يوجد نقد أو اتهام أو حتى حكم من قبل المخرجة، بل مجرد فضول قوي تجاه قصة عائلتها.
تحاور جود جدتها، ووالدتها وحتى والدها، تحاول فك ألغاز عائلتها، تواجهها ببعض الحقائق، تحاول استخلاص كل شيء منها، لكن يبقى دائماً شيء مفقود أو غامض في كلام أفرادها كأنهم يهابون البوح. هناك بعض اللحظات الكاشفة، ومشاهد تكشف الكثير عن علاقة هذه العائلة بالدين والقبيسيات. في بداية الفيلم تقريباً، يقول والد جود إنّه كان يعرف عندما تزوج والدتها أنه تزوج أيضاً الجماعة.
«ق» صوفي بطريقته الخاصة، حميمي، صورة تأملية عن الإيمان والمعتقدات. وثائقي خاص جداً وعام في الوقت نفسه، لا يوجد اتهام للجماعة أو للدين، بل يعرض كل شيء وتترك لنا حرية رؤية الأمور كما نريد. قدمت جود شهاب في فيلمها الأول عائلتها بكل ما تحمله من غموض. واضح حبّها لهم، كأنها من خلال فيلمها تحاول أن تخلّص عائلتها ونفسها، نخرج من الفيلم محملين بالكثير من الأسئلة، لكن الأكيد أنّنا شاهدنا وثائقياً جريئاً وشافياً وشفّافاً.