ليست النقاشات هامشاً في مهرجان عمّان بل متنٌ ثانٍ
أغسطس 8, 2024الأميرة ريم علي لـ “الغد”: الصحافة السينمائية تؤثر في الاتجاهات المجتمعية وتستلهم منها
تحوّل مهرجان عمّان السينمائي الدولي – أول فيلم، بقيادة سمو الأميرة ريم علي، إلى منصة إقليمية رائدة تحتفي بالإبداع السينمائي وتساهم في تطوير صناعة الأفلام في المنطقة.
سموها، وبصفتها مؤسسة لمعهد الإعلام الأردني وعضوا في مجلس مفوّضي الهيئة الملكية للأفلام، لعبت دورا محوريا في تعزيز الوعي الإعلامي وتنمية المواهب الشابة.
“الغد” كان لها هذا الحوار الخاص، والذي تستعرض فيه سموها إنجازات المهرجان، وتتحدث عن رؤيتها المستقبلية لدور السينما، بينما يحتفل المهرجان بالذكرى السنوية الخامسة لتأسيسه.
• ما هي رؤية مهرجان عمّان السينمائي الدولي في دعم وتعزيز السينما العربية والإقليمية؟
يصب شعار المهرجان لهذا العام “احكيلي” باللغة العربية وبالإنجليزية “قصصنا وسردياتنا” في صميم تأسيسنا لهذا المهرجان في المقام الأول، وهو ما يعكس الغاية التي دفعت زوجي سمو الأمير علي إلى إنشاء الهيئة الملكية الأردنية للأفلام قبل 21 عاماً، كون المهرجان يركز بشكل كبير على المحتوى، بالإضافة لدعم التعبير الفني من خلال السينما في بلدنا ومنطقتنا.
ويتمثل الهدف في توفير مساحة للمخرجين وتشجيعهم في أولى تجاربهم، بدعم مالي رمزي في معظم الحالات، لترك بصمتهم والحصول على التقدير اللازم للانتقال إلى مشاريعهم التالية.
أما قسم “أيام عمّان لصناع الأفلام”، والذي لا يقتصر على الأعمال الأولى، فهو يتيح الفرصة للمشاريع العربية للتنافس ويمنح القطاعين الخاص والعام فرصة دعم الأفلام من خلال منحها الجوائز.
• كيف جاء تطوير المهرجان ليصبح منصة متميزة للأفلام الشابة والمواهب الناشئة؟
إن تركيز المهرجان على المحتوى، أكثر من تركيزه على البريق الذي يرافق المهرجانات عادة، ساعده على التميز.
إن الجهود التي تبذلها مديرة المهرجان ندى دوماني مع فريقها تضمن جودة المحتوى من خلال برمجة الأفلام وورش العمل و”الماستر كلاس” المتنوعة وتسلط الضوء على القضايا ذات الصلة بصانعي الأفلام.
وفيما يعمل الفريق على قدم وساق لجلب ضيوف من العالم العربي والعالم ممن لديهم شيء جديد لمشاركته، نحرص في كل دورة على إقامة ماستر كلاس لمخرج سينمائي بارز ليتحدث عن رحلته بين فيلمه الأول وفيلمه الأخير، وقد سعدنا هذا العام بحضور المخرج الإيراني العالمي أصغر فرهادي.
كما كان لدينا ورش عمل متعددة ومتخصصة، بما في ذلك استخدام الأرشيف في صناعة الأفلام الوثائقية وبما يتماشى مع ثيمة هذا العام “احكيلي”.
وما يميز هذا المهرجان هو سهولة التشبيك بين الضيوف ونحن نحاول تحقيق ذلك قدر الإمكان للتأكد من تفاعل الجميع والالتقاء وهو ما يسهل التواصل وتشكيل صلات وبناء علاقات قوية.
فعلى سبيل المثال، هذا العام، لم يكن على أي شخص يودّ مقابلة الممثلة الفلسطينية العالمية هيام عباس أو المخرج أصغر فرهادي أو الممثل والمخرج التونسي ظافر العابدين التواصل مع من يدير أعمالهم أو الاصطدام بالحواجز التي ترافق كبار الشخصيات كما هو الحال غالبًا في المهرجانات الأخرى، بل كان من السهل إيجادهم في صالات الإفطار أو في المكان المخصص مساء لعقد اللقاءات والحديث معهم بكل يسر وسهولة.
• ما هي المبادرات التي قام بها مهرجان عمّان السينمائي الدولي لدعم صانعي الأفلام الناشئين، وخاصة من المنطقة العربية؟
يقدم مهرجان عمّان السينمائي الدولي- أول فيلم جوائز مالية، حتى وإن لم تكن كافية لإكمال المشروع. ولكن هذا يعد بمثابة اعتراف بأن حصولك على جائزة في منطقتك هو اعتراف من جمهورك والتي تعكسها على وجه التحديد جائزة الجمهور.
وعبر تقديم ورش عمل وحلقات نقاشية ودروس الماستر كلاس ضمن “أيام عمّان لصناع الأفلام” يتاح للمخرجين الناشئين مقابلة المحترفين والخبراء في قطاع صناعة الأفلام والذين يساعدونهم على تطوير مشاريعهم وتعلم كيفية عرضها وأيضا مقابلة الموزعين. كما يقدمون لهم فرصة الحصول على التمويل وتطوير أفلامهم.
• ما هي التحديات التي واجهتموها في نمو المهرجان وكيف تمكنتم من تجاوزها؟
كما تعلمون، كانت أول دورة للمهرجان في وقت صعب أثناء جائحة كوفيد- 19 في عام 2020، وكان أول تحد بالنسبة لنا هو اتخاذ قرار إقامة المهرجان على الرغم من معرفتنا أنه لن يتاح لنا استقبال ضيوف من الخارج.
ومع ذلك شعرنا أنه من المهم للغاية أن نظهر إيماننا بدور الفن والثقافة، خاصة في ظل الظروف الصعبة. لذلك قررنا إطلاقه في عام 2020. ولحسن الحظ حصلنا على إذن لاستخدام المدرج الخارجي في الهيئة الملكية للأفلام لإقامة بعض العروض، مع احترام قواعد التباعد الاجتماعي،
وأقمنا عروضا في سينما السيارات في العبدلي مع إتاحة مساحة للعزل ومع السماح للناس بمشاهدة الأفلام على شاشة كبيرة. فيما عقدنا أيام عمّان لصناع الأفلام عبر الإنترنت وكانت نتيجتها مجزية للغاية.
بعد ذلك، كان التحدي يكمن في تنمية المهرجان في بيئة ما بعد الجائحة، مما يعني أن التمويل كان محدودًا.
ونحن ممتنون للغاية لوزارة السياحة وهيئة تنشيط السياحة الأردنية وكل رعاتنا وشركائنا من القطاعين العام والخاص في الأردن لدعمهم لمهرجاننا وآمل أن يكونوا قد رأوا أنه كان استثماراً جيداً. ولا نزال نواجه تحديات في التمويل فللحفاظ على حجم المهرجان الحالي.
والتحدي الآخر كان إيجاد الوقت المناسب من العام لعقد هذا المهرجان وتراوح ذلك بين شهري آب (أغسطس) وتموز (يوليو). وعقدنا دورة هذا العام في أوائل شهر تموز- يوليو، وهو التاريخ الأكثر جذبًا وملاءمة لمعظم الناس ليكونوا متواجدين داخل البلاد أو قادمين من الخارج.
وأؤكد أن دورة هذا العام بثيمتها عكست التوازن الذي عملنا جاهدين على تحقيقه بين إقامة الحدث في خضم أزمة إقليمية يتعرض إخواننا وأخواتنا في فلسطين للقتل كل يوم وشكلت تحدياً إضافيا.
وبالطبع، فإن تنظيم حدث سينمائي بهذا الحجم، حتى وإن كان صغيرًا مقارنة بالمهرجانات الأخرى في المنطقة، ما يزال يتطلب الكثير من التنسيق. وقد قام فريق العمل بتحقيق ذلك ببراعة وأنا مدركة مقدار العمل والجهد الذي بذلوه.
• كيف تطورت رؤيتكم لمهرجان عمان السينمائي الدولي منذ تأسيسه، وما هي المحطات التي تعتبرونها محورية في مسيرته نحو أن يصبح حدثاً ثقافياً رائداً في المنطقة؟
يمكنني القول إننا لم نكن نعرف حقاً، في البداية، كيف يتعين أن ينمو ويتطور المهرجان. لكن يبدو أن الدورات السابقة، التي عكست سهولة الوصول للمهرجان والأجواء العائلية التي استمتع بها الجميع، تشير إلى أنه قد يكون من الأفضل عدم التوسع أكثر من ذلك، للحفاظ على الطابع الفريد والحصري. ما يزال علينا مناقشة طبيعة النموّ مع أعضاء مجلس إدارة المهرجان وأعضاء المجلس الاستشاري له.
وتعد دورة هذا العام، التي اعتبرها معظم الضيوف الأفضل حتى الآن نقطة محورية لأنها تؤكد أن تركيزنا على المحتوى قد وضعنا على الطريق الصحيح.
كما أن تشكيلة الضيوف والأفلام التي اختيرت لهذا العام والخروج عن المألوف شكلت نقطة تحول وستقودنا لاستكشاف المزيد من مشاريع التعاون بين دول الجنوب وتكوين العلاقات مع المهرجانات الأخرى والأشخاص في هذه الصناعة.
• كيف تنظرون إلى الدور المتطور للمهرجانات السينمائية في المشهد الثقافي العالمي اليوم، وما هي التحديات التي تتوقعونها لمستقبل هذه الفعاليات؟
لقد أثبتت المهرجانات السينمائية أنها تقوم بدور حيوي في مساعدة المخرجين ودفعهم للتطور في مهنتهم. فعلى سبيل المثال أنجزت بعض الأفلام انطلاقا من عمان أو شاركت في “أيام عمّان لصناع الأفلام” ونحن نفخر بذلك.
وأعتقد أن التحدي الرئيسي في المنطقة هو وضع الأفلام وصناعها والجمهور في المقام الأول بدلاً من الترويج للمهرجانات كحدث.
وسيكون من الرائع أن تتقبل جميع المهرجانات على سبيل المثال أن عرض الفيلم في بلد المنشأ أو بلد الإنتاج جزء أساسي من رحلته.
• هل تعتقدين أن السينما والصحافة السينمائية يمكن أن تساهمان في نشر الوعي والثقافة في المجتمع؟
الصحافة السينمائية أو الصحافة الثقافية تنقل أخبار وتحليل الاتجاهات والأحداث الفنية إلى المجتمعات. فهي تؤثر في الاتجاهات المجتمعية وتستلهم منها في الوقت ذاته.
ويمكنها أن تعمل كمرآة في بعض الحالات، وهو أمر لا نستمتع به دائمًا إذا جاءت الصورة المنعكسة عبر المرآة قاسية. إلا أنها تسمح لنا أيضًا برؤية أنفسنا والضمان أن الأصوات المختلفة في مجتمعاتنا مسموعة.
• ما هي الطرق التي تعتقدين أن مهرجان عمّان السينمائي الدولي قد ساهم من خلالها في تعزيز التبادل الثقافي والتفاهم من خلال السينما؟
أرى أن ذلك تحقق من خلال تسليط الضوء على الأفلام التي ربما لم تحظ باهتمام في الأردن أو المنطقة أو حتى على الصعيد الدولي من قبل.
فحين يشارك الفيلم في مهرجان عمّان السينمائي الدولي- أول فيلم، لا بد أن يجذب الانتباه – وهذه القصص التي تحظى بالاهتمام هي ما يعزز التبادل الثقافي، فالأمر يتعلق بمشاركة هذه الأصوات مع العالم.
إنها بمثابة دعوة للناس من جميع أنحاء العالم للحضور إلى المهرجان ورؤية قصصنا ورواياتنا بأنفسهم. وهنالك أيضا قسم “موعد مع السينما الفرنسية العربية” التي تبرز إنتاجات الأفلام الفرنسية العربية المشتركة؛ فضلا عن قسم دولي مخصص لرواية وعرض قصص من مختلف أنحاء العالم، والذي شاركت به لهذا العام أفلام من إسبانيا والنرويج وإيرلندا وما إلى ذلك، مما سمح للجمهور في الأردن بالاكتشاف والتعرف على ثقافات مختلفة من خلال مشاهدة أنماط سينمائية متنوعة.
• كيف يمكن للصحافة السينمائية تعزيز ظهور وتأثير الأفلام المعروضة في مهرجان “عمّان السينمائي”؟
من المهم جدًا أن يشاهد الصحفيون الأفلام – بدلاً من الاعتماد على الملخصات لأن فهمهم ومنظورهم لها هو الذي يروج للأفلام المعروضة في مهرجاننا. فالصحافة السينمائية توفر مساحة للنقاش والتفكير، مما يعزز أيضًا مكانة الأفلام وتأثيرها.
• ما هو دور السينما في تعزيز الحوار الثقافي والفني بين الشعوب؟
أعتقد أنه إذا شاهد الجميع عرض “من المسافة صفر” الذي يضم 22 فيلما قصيرا من غزة أشرف عليها المخرج الفلسطيني رشيد مشهرواي، فسيساعد ذلك على إحداث تحول هادف في زيادة الأصوات المؤيدة للسلام وتقليل الأصوات الداعية إلى تدمير غزة، دون تسيس أي شيء يظهر الفيلم لمن يشاهده أن هناك بشرًا يريدون فقط أن يعيشوا حياة طبيعية على أرضهم.
كما يمكن لأفلام أخرى، مثل “قضية الغرباء” لمخرجه براندت أندرسون والذي يتحدث عن اللاجئين، أن تساعد في إدراك أن المدنيين هم الذين يدفعون الثمن الباهظ للحرب وتثير تساؤلات ليس فقط حول كيفية مساعدة اللاجئين ولكن أيضا حول سبب الحروب في المقام الأول.
• ما هي الإستراتيجيات التي استخدمت لضمان التنوع والتمثيل بين الجنسين في الأفلام المعروضة في المهرجان والأدوار القيادية داخل المهرجان؟
ندرك تمامًا الحاجة إلى التنوع والتمثيل بين الجنسين في كل مكان، لكنني أعتقد أننا محظوظون لأنه في العالم العربي، نسبة كبيرة من صانعي الأفلام من النساء أكثر من نسبتهن في الغرب.
وبالمثل، يوجد توازن في فريق المهرجان ولكنه توازن طبيعي. يجب أن أقول إنني ومديرة المهرجان نميل إلى التركيز على درجة الكفاءة لدى العاملين معنا قبل أي شيء آخر.
• بالنظر إلى خبرتك الواسعة في مجال الإعلام والدبلوماسية الثقافية، كيف تعتقدين أن السينما يمكن أن تردم الفجوات الثقافية وتعزز التعاون الدولي؟
كما ذكرت سابقًا، يمكن للسينما، بمجرد سردها للقصص، أن تردم الفجوات الثقافية. وهو أمر ضروري لأننا نعلم أن المعاهدات الحكومية لا تكفي للتقريب بين الشعوب من مختلف الثقافات أو لفهم بعضهم البعض واحترام بعضهم البعض رغم اختلافاتهم.
يمكننا أن ننتقد نتفليكس لترويجها للأفلام والمسلسلات التلفزيونية ذات الصيغ النمطية الجاهزة، لكننا نتعلم الكثير عن الثقافات الأخرى بفضل منصات البث هذه. ومن الناحية المثالية، نحن بحاجة إلى المزيد من منصات البث التي تقدم محتوى من منطقتنا، لكي تكون هذه التبادلات أكثر مساواة وتمثيلا.
يمكن للقصة الإنسانية أن تفهم الآخر بكفاءة أكثر من أي خطاب أو تمرين. ألق نظرة على كيفية تعاطفنا مع الشخصيات إذا تم تصويرها بطريقة معينة، وكيف يستخدم صانعو الأفلام العاطفة للتقريب بين الناس. يمكن لقوة الصور في السينما أن تصنع المعجزات حقاً.
• كيف ساهمت خلفيتك الصحفية في تطوير وتنمية مهرجان عمّان السينمائي؟
خلفيتي الصحفية تساعد دائماً بالطبع، لأنها شكل من أشكال سرد القصص، كما أنني أفهم الدور الحيوي الذي يلعبه المنتجون، وإن كان أكثر أهمية في الأفلام.
لكن في الحقيقة السنوات الـ 15 الأخيرة التي قضيتها في دعم عمل زوجي الأمير علي بن الحسين في الهيئة الملكية للأفلام هي التي ساعدتني في دوري كرئيس لمهرجان عمّان السينمائي الدولي.
• هل يمكنك مشاركة وجهة نظرك حول التقاطع بين محو الأمية الإعلامية والسينما في تعزيز التفكير النقدي والحوار الثقافي؟
أعتقد أن كلا النشاطين، أي محو الأمية الإعلامية والسينما، يعززان التفكير النقدي والحوار الثقافي، ولهذا السبب، أطلقنا برنامجًا لتعليم الأفلام في المدارس في الهيئة الملكية للأفلام.
وكان الهدف بالتحديد هو تعليم أطفال المدارس عدم مشاهدة المحتوى كمتلقٍ فقط، بل التفكير والتساؤل حول المحتوى الذي يشاهدونه.
وهذا أيضًا أحد المبادئ الذي يقوم عليه محو الأمية الإعلامية، من خلال تعلم كيفية صنع مقاطع فيديو قصيرة وفهم آلية وطبيعة هذه العملية، يمكن التشكيك في الصور التي تغمر منصات وسائل التواصل الاجتماعي والتي يمكن للأطفال الوصول إليها أو التعرض لها.
• كمدافعة عن محو الأمّية الإعلامية، كيف يمكن للمؤسسات التعليمية أن تدمج بشكل أفضل بين الدراسات السينمائية والإعلامية لتمكين الجيل القادم من رواية القصص والمفكرين النقديين؟
شخصيًا، أعتقد أنه يجب على جميع المدارس أن تدمج عروض الأفلام متبوعة بمناقشات في برامجها، لتوسيع ثقافة الأطفال السينمائية وثقافتهم العامة وتشجيعهم على مشاهدة محتوى الصورة بعين ناقدة.
وهذا يعني أيضًا أنه يجب تدريب المعلمين وإكسابهم هذه الثقافة السينمائية. لذا يجب أن يكون ذلك جزءًا لا يتجزأ من المناهج الدراسية في المدارس.
• كيف أثرت الثورة الرقمية على دور الصحفيين اليوم مقارنة بما كان عليه قبل عقد من الزمن؟
تؤثر الثورة الرقمية على الصحفيين اليوم من عدة نواحٍ: أولاً وقبل كل شيء، لقد سهلت الكثير من العمل الذي يتعين عليهم القيام به: لم يكن تسجيل وإرسال المحتوى والصوت والصور والنصوص بهذه السهولة من قبل.
أتذكر الأيام التي كنا فيها بحاجة ماسة إلى أجهزة الفاكس وإضاعة الوقت في طباعة النسخ الورقية. أما في الإذاعة فكنا نستخدم المحولات الخاصة لإرسال المقابلات، وقد تغير كل ذلك بسرعة كبيرة. كما أن ترجمة المواد لم تكن يوماً بهذه السهولة.
لذلك هذا يعني أن الوصول إلى المعلومات أصبح أكثر سهولة. لكن إذا اتبعتم سلوكيات المهنة ومبادئ الصحافة، الأمور لم تتغير كثيرا.
• ما هي الطرق التي غيرت بها وسائل التواصل الاجتماعي ممارسات الصحافة وتفاعل الجمهور، وما هي التحديات التي فرضها ذلك على وسائل الإعلام التقليدية؟
التواصل الاجتماعي يحتم على الصحفيين أن يتحروا المزيد من الدقة ومشاركة الحقائق للسماح للناس بتكوين آرائهم الخاصة بناءً على معلومات أكيدة، بدلاً من التأثر بتوجهات وسائل التواصل الاجتماعي.
قد تكون وسائل التواصل الاجتماعي قد غيّرت الأدوات، وعلى المنصات ووسائل الإعلام التقليدية أن تتنافس مع ذلك الآن. لكن لا تزال وسائل الإعلام المطبوعة تحمل وزنًا ويتشاركها مجموعة من الناس وليس بشكل فردي.
حتى الإعلام المكتوب، الذي تراجعت كمياته المطبوعة، لا يزال موجودًا على منصات مختلفة، لكنه لم يختفِ. ما زلنا نقرأ “الغد” و”جوردن نيوز” على هواتفنا المحمولة.
• مع صعود صحافة المواطن والمنصات الإلكترونية، كيف ترين تطور التوازن بين المعايير المهنية ودمقرطة التغطية الإخبارية في المستقبل؟
التكنولوجيا جعلت من السهل جدًا على أي شخص مشاركة المحتوى والمعلومات، وبات من السهل على أي شخص أن يصنف كمصدر لهذه المعلومات وحتى التلاعب بها باستخدام الفوتوشوب مثلا.
وشهدنا منذ عشر سنوات ظهور “المواطن الصحفي”، وظن الكثيرون أن ذلك سيعني نهاية الصحافة. بالطبع لم يحدث ذلك، فقد أثبتت لنا الجائحة العكس تماما وأننا نحتاج إلى المزيد من الصحافة المتخصصة.
كما أظهرت لنا الحرب الحالية على غزة أننا بحاجة إلى صحفيين ليكونوا شهودًا على ما يحدث، بالإضافة إلى المؤثرين على وسائل التواصل الاجتماعي من غزة الذين يسلطون الضوء على المجازر التي ترتكب هناك بشكل منتظم من قبل الجيش الإسرائيلي.
الصحافة مهمة ولا غنى عن الصحافة الجيدة. بغض النظر عن الأدوات التي تستخدمها، يجب أن تكون مبادئ النزاهة والأخلاقيات والدقة هي نفسها.
• ما هي المهارات والاعتبارات الأخلاقية التي تتزايد أهميتها بالنسبة للصحفيين الذين يتعاملون مع المشهد الإعلامي سريع التطور اليوم؟
ستظل الكتابة مهارة مهمة للغاية، لأنه حتى لو انتهى بك الأمر إلى استخدام صور أكثر من السابق ككاتب، فلا يزال عليك أن تتعلم كيفية بناء القصة.
لذلك فإن ممارسة الكتابة والتدريبات التي نقوم بها في معهد الإعلام الأردني لتعويد الطلاب على الكتابة بشكل صحيح لا تزال مهمة.
وبما أن المهارات التكنولوجية – مثل فهم الذكاء الاصطناعي وصحافة البيانات مهمة – نقوم بتدريسها في معهد الإعلام الأردني.
وعلاوة على ذلك، تظل الأخلاقيات والمسائل القانونية مهمة للغاية، بالإضافة إلى مهارات إعداد التقارير والكتابة. كما أن تعلم كيفية البحث أمر أساسي يجب تعلمه في الوقت الحاضر أيضًا.
أعلم أنه بفضل التكنولوجيا أصبح من الممكن ترجمة شيء ما في الوقت الآني لكن في الواقع قد لا تكون متأكداً 100 % من دقة الترجمة.
لذلك لا ينبغي أن تحول التكنولوجيا دون تعلم الصحفيين الطموحين لغة أجنبية ليكونوا قادرين على المنافسة والوصول الفوري إلى ما يقومون بتغطيته.
• كيف أثر الترابط العالمي من خلال التكنولوجيا على تنوع ومنظور التغطية الإخبارية في جميع أنحاء العالم؟
أعتقد أن ذلك يعتمد على الوسيلة الإعلامية وعلى البلد. لقد زادت القنوات الإخبارية الكبيرة التي تعمل على مدار 24 ساعة من تنوع ومنظور التغطية الإخبارية في جميع أنحاء العالم.
ولكن في الآونة الأخيرة، تضاءل عدد المكاتب الدولية للمؤسسات الإخبارية الكبرى مما قلل من تنوع الأخبار التي يمكن للجمهور الوصول إليها.
ومع ذلك، فقد أنشأت العديد من البلدان قنوات فضائية خاصة بها، وبالتالي أصبح لدى المشاهدين خيارات كثيرة ويمكنهم مشاهدة الأخبار من الصين أو اليابان أو فرنسا أو مصر أو ليبيا أو باكستان. أما على الإنترنت، فيمكنك الوصول إلى كل مكان.
لذا، إذا أرادوا ذلك وإذا كانوا مهتمين حقًا، يمكن للناس الوصول إلى الأخبار من أي مكان في العالم من المنظور المحلي.
ويتساءل المرء لماذا العالم ليس أكثر تسامحًا وتفهمًا، نظرا لسهولة الوصول إلى الثقافات الأخرى من خلال الأخبار والأفلام هذه الأيام.