مهرجان «عمّان» ينطلق بأجواء التباعد الاجتماعى وسينما سيارات
أغسطس 11, 2020مهرجان عمّان السينمائي الدولي يكشف عن لجان التحكيم والجوائز
أغسطس 18, 2020كُتب النص لمجلة توب لاين: ريك هندي. تم نشر النص بتاريخ ٥ آب ٢٠٢٠، لقراءة المقالة الأصلية باللغة الإنجليزية إضغط هُنا
لم تكن جائحة فيروس كورونا لطيفة على الصناعة الترفيهية. ومع ذلك، فإن قطاعًا من صناعة السينما أصبح يشهد انتعاشًا، أو حتى تجسيدًا جديدا إن جاز التعبير: سينما السيّارات (درايڤ – إن). أدى التباعد الاجتماعي والحنين الجماعي لزمن أفضل إلى تمهيد طريق اسفلتي ذي مسارين نحو شكل “جديد” لمشاهدة الأفلام، هذه الطريقة التي بدأت فعليًا قبل ٩٠ سنة تقريبًا من انتشار فيروس كورونا المستجد.
في عام ١٩٣٣، واجه رجل من ولاية نيو جيرسي، يدعى “ريتشارد هولينجسهيد”، معضلة تتمثل بعدم ارتياح والدته بالجلوس على المقاعد الصغيرة في دور السينما. فكان حلُّه مسرحاً صغيراً في الهواء الطلق، حيث يمكن لوالدته ركن سيارتها ومشاهدة الأفلام بشكلٍ مريح. سرعان ما أصبح هذا حلاً شاملاً للعائلات الذين أرادوا تجربة مريحة لمشاهدة الأفلام من خصوصية وراحة سياراتهم.
أصبحت هذه التجربة الناجحة للغاية تقليدًا راسخا في ثقافة السيارات الأمريكية الصاعدة؛ إذ امتدت لنحو ثلاثة عقود وأكثر. لم يعد يتعين على عائلات الضواحي القيادة إلى وسط المدن لمشاهدة أحدث العروض، عوضاً عن ذلك كانت الأفلام تنتظرهم في موقف للسيارات قاب قوسين أو أدنى ولم يضطر أحد إلى مغادرة السيارة أثناء التجربة.
على الرغم من أن أكثر من ٤٠٠٠ سينما سيّارات قامت بفتح أبواب مآربها في الولايات المتحدة، إلا أن السبعينيات شهدت انخفاضها، إذ عرضت سينما السيّارات الأفلام فقط خلال أوقات معينة من العام وكانت تعتمد على الطقس. علاوة على ذلك، أجبرت أزمة النفط عام ١٩٧٣ السائقين على استخدام سيارات أصغر وأدَّت إلى انخفاض عام في القيادة مما دفع الجماهير للتوجه الى دور السينما العادية غالبًا عبر وسائل النقل العام. للتعويض عن الخسارة في الإيرادات، ألغت سينما السيّارات الجو الملائم للعائلة وتحولت إلى أفلام “الاستغلال”، مع العديد من أفلام الرعب الرخيصة والأفلام ذات محتوى للبالغين، وهو ما كان غير مقبول في دور العرض السائدة في ذلك الوقت.
ومع أنّ سينما السيّارات مضت بعيدًا عن الثقافة الشعبية الأمريكية النموذجية الموجهة نحو الأسرة في الضواحي، إلا أنها خلقت هامشًا متابعًا في الدوائر والجماهير المتمردة سينمائيًا في ذلك العصر. سواء أكانت سينما الجرايند هاوس أو أفلام السيّارات، فقد أسقطت سينما السيّارات الافلام العائلية مثل فيلم “الغناء تحت المطر” (١٩٥٢) واحتضنت الأفلام التي تركز على السيارات في تلك الفترة الزمنية، من أمثال فيلم “ذهب في ٦٠ ثانية” (١٩٧٤)، ونحن هنا بالتأكيد لا نشير الى فيلم أنجلينا جولي، وكذلك فيلم “سباق الموت ٢٠٠٠” (١٩٧٥)، الذي تم إعادة إنتاجه أيضاً بعد ٣٠ عامًا، وبالطبع الفيلم الأصلي للغاية، الأسترالي جدًا، والمليء بالسيّارات “ماد ماكس” (١٩٧٩).
باختصار وبوضوح، سينما السيّارات عادت من جديد. إن رغبة الناس في التجمع على الرغم من الحاجة إلى التباعد الاجتماعي، بالإضافة إلى بقايا العصور القديمة والشعور بالرضا عن أفلام “الأمريكانا”، كما نرى في فيلم “غريس” (١٩٧٨) و”العودة إلى المستقبل الجزء الثالث” (١٩٩٠)، قد ضربت واجتاحت العالم، من إيران والإمارات العربية المتحدة، لمهرجان تريبيكا السينمائي في مدينة نيويورك، قام الجمهور باستبدال شاشاتهم الصغيرة للحصول على تجارب هائلة.
تعتبر سينما السيّارات مكانًا سحريًا حيث يظل الحنين لسحر أفلام الماضي كما هو، قصيدة لهوليوود الكلاسيكية لا تشبه أيّة تجربة سينمائية، وقد جعلتها هذه الأوقات المؤسفة متاحة أكثر لجيلٍ جديدٍ تمامًا. على الرغم من أننا نفتقد المسارح المظلمة، إلا أن التجمع داخل السيارة أو إيقاف سيارات الدفع الرباعي الخاصة بك في الاتجاه المعاكس والتخييم في صندوق السيّارة هو تغيير مرحب به. فلم يعد يتعين على المشاهد أن يجلس في انسجام مع مئات الغرباء، حيث لا يسمح بالهمس أو التعليق، بل يمكن للأصدقاء والعائلة التواجد في بيئة حميمية مليئة بالثرثرة.
ربما يكون غياب مسافة التباعد الاجتماعي في هذه المرحلة التجريبية من إحياء السينما أحد أفضل الجوانب لإعادة دور السينما في زمن العزلة والأوبئة. جرّب أن تصرخ على الشاشة في السينما المحلية وسيقوم المرشدون بمرافقتك إلى الخارج في وقتٍ قياسي. أمّا في سينما السيّارات، أغلق النوافذ الخاصة بك ويمكنك بسهولة أن تكون المشاهد البغيض بامتياز في دائرة نصف قطرها ميل، مع ضمان عدم توجيه أيّة أسئلة لك. لا يمكن لأصدقائك أو لشريكك التوقف عن الضحك وعادة ما يرمقك الناس بالنظرات؟ أغلق النوافذ ولن يعني لك الأمر بتاتا. وأفضل ميزة لسينما السيّارات بالنسبة لي شخصياً أنه لن يقوم أحد بسحب هاتفهم “للتحقق من الوقت” متسببا بالعمى لثلاثة صفوف من المشاهدين خلفهم.
حتى ٢٣ آب (أغسطس) ٢٠٢٠، لم يسبق للأردن أبداً خوض تجربة سينما السيّارات، وعلى الرغم من تنامي ثقافة السيارات في عمّان، ظلت الفكرة بعيدة المنال حتى جاءت جهود فريق مهرجان عمان السينمائي الدولي. في الواقع، دفعت هذه الأوقات الغريبة والمعزولة اجتماعيًا الكثيرين إلى النظر إلى الوراء من أجل المضي قدمًا، لكن هذا المهرجان لا بد أن يغيّر طريقة عرض الأفلام، والطريقة التي نستهلك فيها السينما ويضيف تجربة أخرى كانت المدينة تتوق لها.