إسراء الردايدة
عمّان– رحلة اكتشاف الذات والوطن، مناطق تحمل تاريخا وصراعا وهوية تصارع من أجل البقاء بسبب المحتل الصهيوني، فيما الحب هو اللغة الأقوى التي تكشف كل شيء، هو ما تقدمه المخرجة الفلسطينية الأردنية نجوى النجار في فيلمها الروائي الثالث “بين الجنة والأرض”.
في أول عرض محلي ضمن فعاليات مهرجان عمان السينمائي أول فيلم المستمر حاليا في منطقة البوليفارد، حيث ينافس في مسابقة الأفلام الروائية العربية الطويلة، تقول النجار في مقابلة مع “الغد”: “عادت الحياة لمجاريها، بالرغم من كل شيء، فالمهرجان يترجم هدفا إنسانيا وثقافيا، وهو التواصل معاّ بلغة بصرية قوية”.
وعن أول عرض لفيلمها في الأردن تشير النجار لشعورها بالفخر، وإن لم يكن بحضور أبطاله أو دون تواصل مباشر، لكنه حلم تحقق، وسيتاح للجميع رؤية مناطق جميلة في فلسطين لم نرها من قبل.
المخرجة نجوى النجار التي بدأت مسيرتها الإخراجية العام 1999 بفيلم”نعيم ووديعة”، وأتبعتها بعدد من الأفلام التي حصلت على جوائز في العديد من المهرجانات، مثل “عيون الحرامية”، و”المر والرمان”، تعيد في “الجنة والأرض”، اكتشاف الذات والذاكرة والمكان وحتى المشاعر، من خلال قصة زوجين يمران بمشاكل ويريدان الطلاق.
“القصة بدأت في محل بيع الفلافل في مدينة حيفا لأصدقاء مقربين بين حيفا والناصرة، هي قصص تعكس حالات الطلاق في المجتمع، فلا تواصل مع الفلسطينيين في الداخل، “منسيين” من القصص الداخلية والتاريخ، لأنهم يقبعون تحت حكم سلطة لم يتسنى لهم اختيارها، ويحملون الهوية الفلسطينية، بحسب النجار.
الرحلة التي يقوم بها الزوجان تحدث في “إكريت”، وبنفس الوقت كانت النجار تبحث عن قصص الفلسطينيين المنسيين والسوريين في الجولان، لتعكس الحب والأمل دون أن يكون هناك وثائقي بينهما.
“فكان اختياري لقصة حب لزوجين تتحدث عن الحب والوطن، حيث لا يسمعان بعضهما في رمزية للوطن والشعب الذي يواجه مشاكل كثيرة”، تقول النجار.
وتضيف أنه ومن خلال رحلتهم بالسيارة ويتزامن مع عرض سينما السيارات، حيث يتاح للجمهور ولبطلي الفيلم اكتشاف فسلطين معا.. ويبلغان مدن لم ترى من قبل حتى يصلوا لقرية هي “جسر الزرقا” وهي آخر قرية فلسطينية على البحر، ويدافع أهلها بشدة عنها لتبقى هويتها كذلك.
فيلم عن الوطن
الفيلم الذي كان أول عرض عالمي له في مهرجان القاهرة السينمائي، يروي قصة حب أخرى تحكيها النجار من وحي قصة حقيقية، وينتمي لأفلام الطريق Road movie، عن زوجين من الطبقة المتوسطة.
الزوجان سلمى “منى حوا” وتامر “فراس نصار” تزوجا منذ خمس سنوات، ويعيشان في الأراضي الفلسطينية، وعلى وشك الانفصال، إلا أنهما يواجهان مشكلة الحصول على تصريح لتامر لدخول أراض يسيطر عليها الاحتلال الإسرائيلي لتقديم أوراق طلاقه من سلمى في المحكمة بالناصرة، ليفاجأ باكتشاف يمثل له صدمة عن ماضي والده.
وتنتقل النجار بفريق عملها ما بين الناصرة ومدن فلسطينية في صور ومشاهد جميلة جدا تكشف روعة المدن الفلسطينية التي سلبها الاحتلال، بين حيفا والضفة الغربية من خلال الطرق المنسية التي يقطعها الزوجان وصولا لهضبة الجولان، تكشف من خلال عدسة الكاميرا حياة المهمشين والاحتلال هناك.
فيلم النجار يحكي عن الطلاق بشكل أوسع، فالانفصال والطلاق ليسا مرتبطين بالزواج، بل بالأرض والوطن، ويشملان الابتعاد عن مكان يحبه الفرد، فهو طلاق روحي ونفسي أكثر منه على الورق أو قضية تنتهي بالمحكمة، في إشارة للاحتلال والارتباط الفلسطيني بالجذور والأرض والهوية نفسها التي دفعتها لإنجاز هذا الفيلم.
وبحسب النجار، فإن القصة التي بنت من خلالها شخصية تامر من وحي قصة حقيقية تعاملت مع أبناء الشهداء، وكيف عاشوا حياتهم بعد اغتيال الاحتلال لهم.
وهي تطرح قضية في الوقت ذاته لما يمارسه الاحتلال من تعسف لاغتيال الشخصيات والأسماء الفلطسينية البارزة من سياسيين ومثقفين ومناضلين في كل مكان، وكيف تنقلب حياة أسرهم رأسا على عقب داخل وخارج فلسطين.
ويضع الفيلم المشاهد في طرق بحث نفسية وجسدية من خلال المسارات التي يدخلها بين قرى منسية، مدن محتلة، هوية ضائعة.
وهنا يظهر معنى الطلاق الذي تقصده النجار، متنقلة بين الماضي والحاضر والتاريخ والهوية التي كانت ترتبط بالديانات الثلاث سابقا، وتحولت لقضية سياسية وواقع احتلال بشع وأرض مسلوبة، وسكان مهجرين، وهوية يريد المحتل طمسها بأي وسيلة.
على الطريق رحلة اكتشاف
بما أن الفيلم في غالبيته رحلة على الطريق لاكتشاف الحقيقة وإيجاد حل، هو أيضا رحلة اكتشاف تاريخي لقرى فلسطينية كانت موجودة قبل العام 1948، والتي عثرت عليها النجار عبر تطبيق iNakba، ووصلت من خلاله لقرية “إقبال” التي وجدت بها شبابا يطلق عليهم “الأوصياء”، يعملون على حراسة القرية.
وأنتج الفيلم هاني القرط زوج النجار الذي قدم معها الأفلام الروائية الثلاثة، التي ارتكزت على القضية والهوية الفلسطينية؛ حيث جرى تعاون بين الفريق نفسه الذي عملت معه منذ “المر والرمان”، بجهود تكاملية للكل، وهو شريكها، لأنه يملك بحسبها نظرة تقييمية مختلفة تزن الأمور، وعينا ثاقبة تجعل حكمه صائبا بخياراته التي تثق بها.
دور السينما
تقول النجار أن السينما سلاح قوي في فلسطين وفي كل مكان، ومسؤوليتها كمخرجة أن تتمسك بهذا السلاح وفي كل مكان خاصة في المنطقة العربية، مبينة، “هي وسيلة لنروي قصصنا، وليس الغاية أن نصنع أفلام تخاطب الغرب، بل أن نصنع أفلام تحكي روايتنا ولنا، بلغة تخاطبنا وتشجع الأجيال الصغيرة لارتياد السينما”.
وتضيف: “الجمهور الشاب مهم وحيوي، وهم بحاجة لاستعادة صورتنا الحقيقية كشعب وتاريخ من أجلهم للحفاظ على الهوية ونهتم بهم، كي يعرفوا الحقيقة، وهو دوري كمخرجة ومواطنة وأم”.
عرض الأونلاين
بسبب جائحة كوفيد-19، والذي عطل رحلة الفيلم وجولته العالمية لم تقبل النجار عرض فيلمها أونلاين بعد أول عرض عالمي له في مهرجان القاهرة السينمائي بدورته 41 ، حيث نال جائزة نجيب محفوظ لأحسن سيناريو، ضمن منافسات المسابقة الدولية فيه.
وتعزو السبب في ذلك أنه ذلك يفسد كل التعب، وليس بحل جميل يقبله المخرج، خاصة بعد كل التعب الذي خاضته في صناعته، وقبلته فقط ليعرض في الولايات المتحدة الأميركية بسبب الظروف التي فرضها فيروس كورونا.
المخرجة نجوى النجار لـ”الغد”: السينما الفلسطينية تحفظ الإرث للأجيال المقبلة
النجار ترى أن الفيلم واللقاءات التي تجمع بين المخرج وعشاق السينما وصناع الأفلام هي مساحة مهمة خاصة تلك التي توفرها المهرجانات، ومنها مهرجان عمّان السينمائي الدولي- أول فيلم، والذي أصر برغم كل التحديات على أن يكون حقيقيا، من خلال استحداث سينما السيارات، ووسيلة للتواصل والتعلم وكسر كل الحواجز التي تقف عائقا بين البشر للتواصل معا، حيث الجميع يتحدث لغة واحدة هي السينما.